تقــــرير لجنة تحكيم مسابقة الطيب صالح للشباب في القصة القصيرة الدورة السابعة 2015 – مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي
تُشير العديد من الدراسات، إلى أن الملك السوداني أركاماني، الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد، يُعتبر المؤسس الأول للدولة المدنية في السودان؛ حيث بدأ السودانيون في تطوير أساليبهم الفنية والمعمارية الخاصة، واخترعوا الكتابة المروية في عهد (أبا دماك)، ودونوا حياتهم اليومية، وازدهرت في ذلك العصر العلوم والمعارف الإنسانية المختلفة.
كما مرَّت مصادر التراث الشعبي المكتوب بأدوار شتى، أبرزها دور الرواة والمؤرخين الأوائل منذ العصور القديمة إلى حوالي 1810 ميلادية، وهذه المدونات تغلب عليها الأقوال الإخبارية ولمحات عن الممارسات والمعتقدات الشعبية التي نجدها فيما كتبه ابن سليم الأسواني والمسعودي وابن فضل الله العُمري وابن سعيد والمقريزي، وبعض هؤلاء كانوا من الرحالة الذين كتبوا عن مشاهداتهم وانطباعاتهم في هذه البلاد مثل: روبيني (1522- 1523م) وبروس (1769- 1772م). وفي أعقاب ذلك قام العالم الراوي السوداني الشيخ محمد ضيف الله الجعلي المتوفى سنة 1224هـ (1809م) بتأليف كتاب الطبقات في سير الأولياء والعلماء السودانيين الذين عاشوا في عهد ملوك سنار (مملكة الفونج 1505- 1820م). ويُعدُّ هذا الكتاب مصدراً مُهمَّاً ومُلهماً للتراث الشعبي السوداني. وقد أشار د.عبد المجيد عابدين في كتابه “القصة الشعبية في السودان” إلى هذا التراث باعتباره مادةً خصبةً للذين يدرسون النواحي التاريخية والسيكولوجية، ولمن يمارسون الكتابة الإبداعية كذلك.
وقد شهدت فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، بواكير القصة القصيرة السودانية، حيث كان لبعض المجلات الأدبية الصادرة آنذاك دور رائد مثل: مجلتي (النهضة) و(الفجر). وقد تمايزت الأساليب الفنية في معالجة القصة، واختلفت رؤى كُتَّابها الفنية وعبَّر إنتاجهم القصصي عن الواقع والوقائع التي عايشوها في ظلِّ صراع اجتماعي حاد. وتتبدى مظاهر النضج لدى جيل الرواد في قصص معاوية محمد نور ومحمد العشري الصديق، إذ اتخذت أساليبهم مسارات مختلفة اتسمت بالمعرفة النظرية لفن القصة القصيرة، كما يُشير إلى ذلك الناقد د.مصطفى محمد أحمد الصاوي.
في نهاية الخمسينيات، صدرت مجلة القصة المتخصِّصة، التي استوعبت نتاج الخمسينيات والستينيات، وبرزت أصوات: الزبير علي، خوجلي شكر الله، صلاح أحمد إبراهيم، عثمان علي نور، علي المك، وقصص ملكة الدار محمد، وأصدرت أسماء بنت الشمالية أول مجموعة قصصية لكاتبة سودانية 1960 (أحلام عذراء).
بعد اندلاع ثورة 21 أكتوبر 1964م، ازدهرت الحياة الثقافية من خلال المنتديات الأدبية والتظاهرات الثقافية والمسرحية، فقامت جماعة (أبادماك) ولمعت أصوات ذات أساليب تعبيرية في القصص ارتادت آفاقاً جديدةً في بناء الشخصيات وتقنيات الكتابة، مثل عيسى الحلو ومحمود محمد مدني وعثمان الحوري، عبد الله حامد الأمين والطيب صالح وجمال عبد الملك (ابن خلدون)، رائد القصة العلمية (الخيال العملي)، كما برز صوت إبراهيم اسحق، ليؤسس لتخييل جديد وبناء عالم سردي متماسك.
أما حقبة السبعينيات؛ فقد سطعت فيها أصوات كلٍّ من: هاشم محجوب، وهاشم كرار، محمد المهدي بشرى، محجوب شعراني، عثمان علي الفكي، سامي يوسف، أحمد المصطفى الحاج ، أحمد شريف، بشرى الفاضل، حسن أبو كدوك، وسعد الدين إبراهيم .
كما حفلت حقبة الثمانينيات والتسعينيات بأسماء مثل عادل القصاص، يحيى فضل الله العوض، عبد العزيز بركة ساكن، بثينة خضر مكي، ملكة الفاضل، فاطمة السنوسي، مازن مصطفى، محسن خالد، أمير تاج السر، طارق الطيب، محمد الحسن البكري، عبد الغني كرم الله، مجاهد بشير، سارة الجاك، أميمة عبد الله، رانيا مأمون، وآخرين.
كما أسهمت جائزة الطيب صالح للقصة القصيرة، التي ينظِّمُها مركز عبد الكريم ميرغني، في بروز العديد من الأصوات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: صباح سنهوري، الطيب عبد السلام ، إبراهيم عبد الغني، منجد أحمد مصطفى، مودة فضل المولى، إبراهيم جعفر يوسف، عبد الحفيظ عبد الله عبد الحفيظ.
تتلخص أهم عناصر القص وخصائصه في الآتي:
• اللغة: إن النصوص الإبداعية في المقام الأول هي نصوص لغوية تتميز باتساقها المتفرد كمجموعة من الجمل المترابطة وفق تركيب يوفر لها التآلف ويعطيها صفة التلاحم؛ فأدبية النص هي وعي العالم وهنا يظهر المتلقي شريكاً في عملية كشف مغاليق النص وتحليل شفراته.
• السرد: وهو السبل التي ينتهجها المبدع ليقدم بها وقائع المتن الحكائي، وتتضمن استخدام الضمائر وتعرية الوسائل ويشكل الحدث الأساسي والمرتكز الذي تقوم عليه بنية النص؛ فالذي يقول (أنا) في النص ليس الذي يقول (أنا) في الخطاب، فأنا الكاتب لا تتقمص (أنا) السارد الذي يتوارى عبر الصوت الثالث، وبذلك تحقق الكتابة وتكتسب مشروعيتها.
• الزمــن: وهو من التقنيات السردية التي تفرق بين زمن الحكاية وزمن الخطاب الذي يتألف من الأحداث وفق تقنيات الارتداد والاستباق كما يتداخل المكان ويتكامل مع الزمن ويشكل فضاء النص.
• الشخصية: وتشمل الأفراد الواقعيين والمتخيلين الذين تدور حولهم أحداث النص، والشخوص ربما تتعدد وتتنوع.
كما تولي الدراسات السيميائية المعاصرة اهتماماً بالنصيَّة، وكل ما يحيط بالنص من عناوين ومقدمات وهوامش، لأنها من المفاتيح المُهمَّة في سبر أغوار النص، والغوص في مجاهيله.
فأصل كل القصص كما يقول فارغاس، ينبع مِنْ تجربة مَن يبتكرها، والحياة المعيشة هي الينبوع الذي يسقي القصص المتخيلة. وهذا لا يعني، بكل تأكيد أن يكون النص سيرة ذاتية مستترة لمؤلفها، بل يعني بصورة أدق أنه يمكن العثور في كل قصة حتى في أكثر قصص التخيل تحرراً وانطلاقاً على نقطة انطلاق من بذرة حميمية مرتبطة بجملة من التجارب الحياتية لمن صاغها.
تكونت لجنة التحكيم من الأساتذة:
1. زينب بليل.
2. محجوب بشير كبلو.
3. محمد خلف الله سليمان.
عكفت اللجنة من 14/ 2/2015م وحتى 2/4/2015م على دراسة النصوص المشاركة (29 نصاً) لتحديد نص فائز وتسمية عشرة نصوص تُمنح جوائز تقديرية.
عمدت لجنة التحكيم إلى قراءة الأعمال المشاركة قراءة أولية. وبعد نقاش مستفيض توصلت اللجنة إلى الآتي:
• فنتازيا المهرج: (1/7) لكاتبها طلال الطيب إبراهيم موسى.
متاهة نفسية تصدِّر عناصرها إلى الخارج الموضوعي، متوسلة في ذلك طُرقاً أقرب إلى البورخيسية –والتي هي من ناحية أخرى بضاعتنا القارَّة في الأندلس متمثِّلة في (الليالي وأخواتها).
• سبتمبر: (2/7) لكاتبتها فاطمة أحمد الشيخ محمد أحمد
محاولة موفقة لاستنبات التفاؤل في عدمية البياض: قلق الموت، الذي لا نتحاشاه وحدنا، إذ يبدو أنه حتى مجرتنا قلقة إزاءه.
• أرواح لم تتشكل بعد: (3/7) لكاتبها محمد أحمد محمد إسحق
نص يشي بنظرة قلقة – هي الأخرى – يلقيها النص على دائرة قلق عتيدة – مساحات وعي الفئات الشابة بما تشوبها من ثنائيات الاتساق والتناقض.
• الموءود: (5/7) لكاتبها يس السر علي أحمد
صوت إدانة صارخ لكائن حي يتشكَّل، ويراقب ما يدور في محيطه. وهي قصة مفعمة بالخيال، وتمتلك قدرتها على الإقناع، حين أصبح يشعر بالعالم من حوله رغم أن العالم لا يأبه به كثيراً، هذا نص باذخ كُتٍب بلغة ناصعة وسليمة.
• تسرب روح: (6/7) لكاتبها الصادق يوسف حسن
بناء كرونولوجي لتماسات المادي والماورائي متوسلاً الثيمات الدينية – قرابة النخل للبشر على سبيل المثال – يرد كل ذلك في أداء أسلوبي مقتضب وكثيف.
• ظل: (8/7) لكاتبها المهند رجب الأمين
يتأنسن الظل ويصبح بطلاً للحكاية وفي حيادية الظل اكتفاء بمنطق الأشياء وتوسيعها وتداخلها وتخطيها (يتشكل مثلما الماء في آلية تلاؤمها مع الأشكال) إحساساً بقيمة الوجود.
هذا النص كأنما يقول: “أكون ظِلَّاً في شهودكم وتكونون ظِلَّاً في اختفائي”، ويتصاعد النص وينمو ابتداءً من عمود الإنارة في مؤخرة الشارع العام والوقوف الطويل بحسبان أنه كائن موجود ومقهور ومهزوم… ولا يستطيع أن يشكو، ثم يتحول في حركته مع سيدة مريضة ما إنْ أفاقت من غيبوبتها حتى سألت عن أبنائها، تأكيداً للانتماء لما هو إنساني بتداخل المشاعر والتخيُّلات. (مما أشعر الظل بالألفة والحميمية).
• الجسر: (16/7) لكاتبتها نجوى عوض الجيد
منامة متاهية – تعود دائماً إلى نفس المكان. أفلح النص في الإفلات إلى أرضية من اليقين وإنْ كان هشَّا.
• الطريق المقدس: (17/7) لكاتبه عوض كمال عوض
يصدح النص بغناء ملحمي بالغ الحماس حتى لنتحرى جسد السرد على حواف النشيد. أنشودة خلاص تعلوها الرايات والأبواق المنتصرة لا محالة.
• ذبول الياسمين: (18/7) لكاتبتها سحر محمد عظيم
بلغة مرنة، تمكَّن النص من احتواء تداعيات هوى أنثوي خاسر منفتح رغم مونولوجيته، على انتقالات في الزمان والمكان، وحَّدَت بينها مزاجية نزهة بحرية.
• حكاية العجوز: (20/7) لكاتبها راشد يسلم حسن
نص يضيء أسئلته الوجودية ويستجوب جدلياتها: الحياة والموت، الحرب والسلام حتى حدود: الكتابة والبياض. وبالكاد، بطبيعتها، تتنازل هذه الجدليات إلى أن تجيبنا.
نتائج لجنة التحكيم:
حيث أن العملين (ظل)، (الموءود) متقاربان في المستوى، من حيث الجودة الفنية، مع اختلاف أسلوبهما؛ لذا فقد رأت اللجنة أن يحصلا على الجائزة الأولى (مناصفةً)، على أن تنال النصوص الثمانية الأخرى جوائز تقديرية.
لجنة التحكيم:
1. زينب بليل.
2. محجوب بشير كبلو.
3. محمد خلف الله سليمان.