ثمارغوايات

الحلوى للبحر

فتحي قمري

لأنّها تعشق البحر منذ أوّل أحلامها،

أهدته قميص دميتها كي لا يخون مراكبها.

أعطته كلّ حلواها لعلّه يغيّر طعمه.

رافقت شمس الصّباح و هي تخرج من ضلعه حتّى كادت تطير.

و أطعمت موجه رقّة أصابعها كلّما رمته مسالكه خارج البحر.

على الورق المقوّى أعادت رسمه كما رأته في أحلامها الأولى.

و لأنّ البحر يحبّ التّفاصيل

و القصص الجميلة بالكذب،

أو هكذا ظنّت وهي تصنع قصرها من رمل و أصابع تحمل طباع الموج ،

أملت عليه ما حفظت من حكاية ليلى

و اشتكته وحشيّة الذّئب.

حدّثته كثيرا عن سعال أبيها في نومه آخرة اللّيل

عن دهشة أمّها إزاء مرآتها كلّ صباح

عن شجرة في الشّارع مدّت أغصانها داخل حجرتها

فمنعت عنها لقاء الشّمس ،

عن مدرّسة الموسيقى التي تمشي بنشاز

و لا تحسن فنّ الضّحك ،

حدّثته عن المتحف الذي أعجبها في حصّة التّاريخ

و كيف أخطأت مذيعة الأخبار لمّا ردّدت اسمه

و لم تحزن مثلها لآنّهم داسوا لَآلِئَه .

حدّثته عن أطفال يموتون لأنّ الحياة  صارت باهضة

عن جنود يقطعون في الغابة بدل الأشجار

و عن مدينة استضاءت بالدّمع حين فاجأها البرد.

حدّثته كيف صار اللّيل مملاّ بلا أحلام

و أنّ الأيّام أقلام رصاص.

*****

حدّثته و لمّا نسف الموج رمل قصورها

ابتلعت ريقها غاضبة

و كسائر الأطفال

اجتهدت حتّى لا تبكي أمامه

ضمّت قميص دميتها إليها

و احترقت أصابعها من فرط الحزن.

ركضت وراء الموج العائد حتّى انطفأت أصابعها.

و لاحت زهور قميص عائمةً.

هي…

ربّما أرادت بفطرتها عقاب الموج

فأقامت في البحر.

لكنّها نسيت على الشّاطئ دمية عارية تدحرج الرّيح براءتها

و بقايا قصور تتآكلها الأمواج و الشّمس.

* شاعر من تونس

زر الذهاب إلى الأعلى