ثمارغوايات

مَفَارِقْ

أنس مصطفى

سلامٌ لمن ودَّعونَا وغَابُوا بعيداً فغِبنَا، لكلِّ الأماكنِ والذَكرياتْ، سلامٌ لكلِّ القطاراتِ فينا، تسافرُ يوماً ويوماً تعودْ، سلامٌ لكلِّ الحكايا البعيدةْ، لكلِّ المحطَّاتِ مِلء الطَّرِيقْ، سلامٌ لمن حمَّلونا الوصايا، ومن بلَّلونا بحزنِ الرَّحيلْ، سلامٌ لكلِّ التَّحايا الصَّغيرةْ، سلامٌ لكلِّ شموسِ المنافي، لصوتٍ حزينٍ كنايٍ وحافٍ، أحنُّ إليهِ ولا التقيهِ، أفتِّشُ عن معطفٍ من عيونكِ كي أرتديهْ، يطولُ شتائي، تُدفِئُ عيناكِ قلباً سوايَ، أحنُّ إليكِ ولا التقيكِ، أفتِّشُ عن منزلٍ من حنينكِ أخلعُ فيهِ حذاءَ الرَّحيلْ، أفتَّشُ عن مَوئلٍ لحنيني أقيَّدُ فيهِ خيولَ ارتحالي، وأهمس دونَ ارتباكٍ أحبُّك، فلا تتركيني، دعيني أجفَّفُ منديلَ حُزني وأغفو قليلاً، قليلاً بقربكْ، فقط زوِّديني بدربٍ لعُمرِي، وصدرٍ لهمِّي، وحُلمٍ يضيءُ دروبَ إيابي..

وأرحلُ عنكِ بعيداً بعيداً وراءَ الأقاصي، وأرحلُ عنكِ لأنساكِ يوماً، فترحلُ كلُّ المدائنِ عنِّي، وتأتي دروبٌ تنادي عليكِ، إليكِ سأحملُ يوماً خطايَ ولا ألتقيكِ، وأسألُ عنكِ البلاد الحزينةْ، كحزنِ الغيوم التي شرَّدتني، وأسألُ عنكِ بيوتَ المدينةْ، وأسألُ عنكِ عيونَ البنات التي لامستني، فلم أشتهيها ولم تحتويني، وأسألُ عنكِ حنيناً يسافرُ دومَاً إليكِ، يغرِّبُ عنِّي دياري وأهلي، فآتي إليكِ، وحلمي بقائي لديكِ أثيراً عزيزاً عليكِ..

أحبُّكِ أبداً وأعشقُ دوماً طريقي إليكِ، إليكِ سأحملُ يوماً نشيدي، وعُمري وعيدي، وأطرقُ فيكِ البلادَ الأخيرةْ، تأخَّرتُ عنكِ كثيراً كثيراً وكلُّ المسافاتِ نادت عليكِ..

أقولُ سينزفُ بعدكِ جرحي، وينبتُ حلمٌ يداوي جروحكْ، أقولُ شغوفٌ بكلِّ الليالي التي رافقتنا، وكلِّ الليالي التي عذَّبتنا، شغوفٌ بعينيكِ حدَّ امتلائي، فماذا تكونُ الحياةُ بدونكِ، أنتِ الحياةُ فماذا تكونْ..؟
..
..

 

* شاعر من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى