يوجين كوريرا
شخصية هاربة من رسم كاريكاتيري، ربما فكرة شقية تعتمل في ذهن مشاغب أو هكذا أتخيله.
تارة يبدو كرئيس لعصابة من الأشرار الظرفاء، أكثر منه كرئيس تحرير مجلة، سمعته أكثر من مرة يصرح دون مبالاة بأنه لا يمانع أن يتصدر اسم السائق، بدلاً منه، الصفحة الأولى، طالما أنه يتقاضى راتبه “على دائر الفلس”. كما يتذمر دائماً من أنه لا يعرف ما هو منصبه تحديداً في هذه المؤسسة، ويبدو أحياناً راجح العقل ومتحدثاً ذا ثقافة واسعة، ودائم المقارنة بين هذه المدينة وكندا، ويبتدر تعليقاته بعبارة: “In Canada”.
يبتدع أساليب السخرية عن قصد ودونه، أعجب به سراً عندما يعجز الآخرون عن النيل منه، فالرجل له لسان حاد، وإجابات صادرة من قلب يحتد فيه النزاع بين العدوانية واللطف، وهو كثير الاستخفاف بثقافة زملائه الهشة الزائفة، وكثيراً ما ألمح ابتسامة ماكرة تعلو وجهه عندما تنجح محاولاته في إزالة قشورها، خلسة، وكلما سنحت المواقف. فعندما يتآمر الآخرون للكيد له بلغة إنكليزية صحيحة، يغض الطرف عن الإساءة مغتنماً الفرصة لرد الصاع صاعين، ويرد مستهزئاً: “WOW! now you can speak good English”.
وحتى أنا، ورغم صداقتي له، يتحفني بقدر وافر من السخرية عندما يلاحظ إلمامي بثقافة الإبحار الترفيهي داخل هذه المدينة: “لا أحد يعرف ما بداخل صفحات هذه المجلة غيرك”، ويردف قائلاً: “the lady who Knows everything about boats and Yachts”.”.
كثيراً ما أسمع صوت سقوطه على الأرض داخل مكتبه الصغير، فأشفق على الكرسي، فهو لم يصنع لحمل مثل هذه الأوزان. ويعترف يوجين دائماً بأن بطنه المنتفخ جداً، الذي يؤكد نظرية أن الأرض كروية؛ يختزل كماً هائلاً من المشروبات الكحولية، التي يثق بها وينادمها أكثر من الأصدقاء.
كلما لمحته آتياً، أردد سراً: “أخطأ الرسام في قياس أبعاد هذه الشخصية، فثمة شكل دائري ضخم سكن مخيلة ريشته عندما كان يبتكر فكرة يوجين، ولم يعلم أنه سيفر من عالمه الخيالي ليسكن جسد رجل حقيقي”.
أسهب أحياناً في الانشغال بهذه الشخصية، ربما بدواعٍ إنسانية، وقناعاتي أن الإنسان يتخذ من الشر ستراً واقياً ضد هجمات البشر وقسوتهم، وعندما يخلد إلى نفسه يتخلى عن شريعة الغاب، ويستدعي ويستسمح الأرواح الطيبة.
دائماً أفكر، كيف هي حياة هذا الرجل خارج دائرة العمل؟ هل هناك من يربت على كتفه برفق أو يتلقاه بابتسامات الحب عندما يدلف إلى عالمه الخاص تاركاً عند الباب قناع يوجين الشرير؟ أتمنى بصدق ذلك.
*كاتبة من السودان