ثمار

إضاءات على مسرح الهُواة في جُنُوب السُودان.. التطور والتحديات

الموقف

المسرح نشاط إنساني يسعي إلى تحقيق العديد من التوازنات

مدخل في مفهوم المصطلح:

كانت النشأة الأولى للمسرح في الطريق من شخص لم يلتحق بأي أكاديمية متخصصة لدراسة فنون المسرح، كان ذلك منذ ما يقارب 3000 ألف سنه، شخص بسيط يتجول في عربة يجرها حصان (حمار)كان يبدل ثيابه مبدلا بذلك الشخصيات التي يؤديها على تلك العربة التي مثلت دور خشبة المسرح وقتها، كذلك الأقنعة التي يغيرها لتعطي انطباعا عن سيكولوجية شخصية جديدة، كان ذاك الشخص هو الممثل الإغريقي الأول المعروف باسم ( تيسبيس ).

كان ذلك نشاطاً حراً لا يعرف القيود وقانونه الأول هو نقل الحكاية والرواية عبر تقنية الأداء ومحاكاة أفعال الإنسان أو حالاته الروحية والنفسية المتجلية في سلوكه اليومي،، حاول بذلك الأداء التعبير عن الإنسان للإنسان وبالإنسان، مارس حريته في التعبير.

فلسفة مسرح الهواة:

  • التأليف:

هي من ركائز الأدب المسرحي، وهو القدرة على إعادة بناء بنية المسرحية لتكون جاهزة للتمثيل وتحويلها للعرض المسرحي، إذا هي قصة تم كتابتها لتكون قابلة للعرض أمام الجمهور أو يستطيع الممثلين والمخرج تحويلها إلى عرض مسرحي

وفي غالب الأحيان يكون التأليف في مسرح الهواة جماعي أو ارتجالي على فكرة أو قصة معينه، نادرة ما يكون هناك نص مسرحي يتم عليها العمل.

  • الأداء:

الأداء هو في المسرح يتعلق بصورة أساسية بفن التمثيل باعتبار مركزية  الفعل نفسه في ممارسة المسرح وجميع أشكال الدراما الأخرى، في الإذاعة والتلفزيون والسينما، مع العلم انه لا توجد ممارسة مسرحية تغيب عنها الإخراج بشكل أو آخر باعتبار الإخراج فن تصميم العرض المسرحي وتحضيره ليكون صالح للعرض،

هذا إن كان هناك مخرج واضح كما في المسرح المحترف أم مخرج خفي في بعض المجموعات التي تصمم عروضها بشكل جماعي.

تعتمد مسرح الهواة في أدائها التمثيلي على شكل أداء اقرب إلى تقنيات كوميديا الفنون في فترات مابين وقبل وبعد النهضة الأوروبية، فيه تعتمد في غالبها على شخصيات معينه يجيدها بعض الممثلين وكل أفراد الفرقة يعلمون جيداً أن هذه الشخصية تتناسب مع الممثل أو الممثلة المحدد أو المحددة.

كما نلاحظ الكثير من سلوكيات الأكلاشيه في الكثير من الأداء وبالتأكيد هناك بعض الأسباب التي تدعم استمرار الأداء الأكلاشيهي ، والتي سوف نتعرض لها فيما بعد، هنا يمكنني أن أصنف الممثلين في مسرح الهواة إلى نوعين:

الأول: يعتمد على عرض نفسه للجمهور بعيداً عن الشخصية وما تريده الشخصية ، وهذا ما يمكن تسميته بالممثل الأناني الذي يجبر الشخصية لكي تشبه سلوكه اليومي، ال تستطيع أن تفرق بين سلوكه في الحياة وسلوكيه وهو على خشبة المسرح، وهذا الممثل لا يمكن أن يكون له مستقبل في المسرح بل يكرر نفسه دون تقدم ملحوظ.

الثاني: الممثل المتواضع الذي يتخلي عن ذاته ويذهب إلى الشخصية يريد أن يفهم ماذا تريد الشخصية وكيف تتحدث وكيف تمشي وكيف تأكل وكيف تفكر، يتخلي عن ذاته ويتبحر في أعماق الشخصية، وهو الممثل الذي يمكنه أن ينتقل سريعا من مرحلة الهواية إلى الاحتراف وسوف يكون له مستقبل مشرق.

  • مواضيع العرض:

مواضيع العرض في كل مسرحية أياً كان هي مواضيع حيه من موضوعات يحيط بالإنسان أينما كان أو كيفما كان،فهي أما موضوعات في واقعه أو في أحلامه أو آماله أو أوجاعه، لذا لا يمكن أن يكون العرض المسرحي إلا إذا كان في علاقة شرطية مع الوجود العاطفي أو المعرفي أو العقائدي مع صانعي العرض (ممثلون، مخرجون أو كتاب دراما).

إذا الدراما في طرحه الفكري ما هو إلا تداعيات بصرية لأحلام وأمال وواقع الصانع مع الكثير أو القليل من الإبداعات الجمالية التي تطفي على الواقع بعداً آخر بعداً يستطيع أن يأسر الناظرين من الجمهور، يلمسهم يتحدث عنهم يشاركهم يشركهم في علاقات حية مع أنفاس الممثلين من على منصة الأداء باختلافاتها  الشكلية والثقافية.

وهنا كثير من نمازج المسرحيات التي تتناول موضوعاتها الحياة اليومية، بداء من هذا المهرجان التي تتناول العروض التي قدمت واقع الحياة للوصول بها إلى حوار جمالي متعددة الأبعاد (المصالحة، الصراع، وغيرها) وكذلك تفعل الفرق التي تنتشر في أرجاء المدينة في جوبا، كلكم شهود على ذلك،

محاولة أن تذكر أي عنوان لمسرحة تعرفها لو مثلت فيها أو شاهدتها ستجد الواقع بشكل يختلف عن الآخر ولكنه موجود؟

  • الشخصيات:

هكذا هو الحال فالشخصيات في طبيعتها وواقعها لا تختلف عن الواقع فهي التي تفعل الأحداث الواقعية، ولكني هنا سوف اقسم الشخصيات وفق طبيعتها إلى نوعين

الأول: الشخصية الواقعية:

وهي الشخصيات التي يمكن أن نجدها في كل مكان حولنا كالرجل السكير الأب، الأم الأخ وغيرها من الشخصيات التي يمكننا أن نجدها حولنا في واقع الحياة اليومية فهي صديقة لنا أو عدوة لنا معها موافق مختلفة في الحياة وهي بطبيعتها تمثل الواقع اليومي.

الثانية: الشخصية الرمزية:

وهي شخصية تخَلَقَت عبر التراكم المعرفي والنضج السياسي والاجتماعي والثقافي للممثلين والمخرجين أنفسهم،هذه الشخصيات تم تكوينها وبنائها لتكون مقبولة للمجتمع وتحمل في طبيعتها سلوكاً اجتماعيٍ محدد ، وليست بطبيعة الحال واقعية، لكننا نجد فيها العديد من الصفات وبسهولة يمكننا أن نفك شفرتها ونتعرف عليها إما من اسمها أو من شكلها (شخصية تمساح ، الغريب ، أو شكلها بان تكون ذات كرشة كبيرة أو ترتدي جلباب أو زى معين يرتبط في ذاكرة الجمهور باعتباره شفرة ثقافية اجتماعيه سياسية(.

  • إكسسوارات وفنيات العرض:

الإكسسوارات: هي في الغالب اجتهادات من واقع الحياة اليومية ولا يغيب عنها البعد الرمزي الذي يعج بالعديد من التفاصيل التي يمكنها أن تعكس بعض الجوانب العادية للشخصيات ومنها ما تعرض الجوانب العميقة في رمزيتها عن طبيعة الشخصيات ومعانيه ، وفق الرؤية الجماعية للإخراج،

فنيات العرض: الأخرى كالديكور وملحقاتها فهي بسيطة جدا وفقيرة لان معظم هذه الفرق تفتقر إلى الإنتاج المحترف لذا فأننا نجدها تجتهد على مستوي ما يتوفر لها لجعل المكان اقرب إلى واقع الحال.

جنوب السودان

التحديات:

*    الفقر:

اعني هنا فقر الإنتاج على المستوي الجمالي والمادي والفني لا تجد ميزانية سنوية للإنتاج الفني لأنه لاتوجد سياسة مسرحية لدي المؤسسات المسدلة عن العمل الثقافي إلى هذه اللحظة، وعلى حسب ما اذكر فان ميزانية احدي المسارح الصغيرة جدا في إحدى مدن ألمانيا الصغيرة تتجاوز إل(25 مليون يورو في السنة لإنتاج عروض جديد وتسيير الموسم المسرحي كان ذلك في العام 2010(.

*    تبادل الخبرات ومحدودية التجربة.

هذا بلا ادني شك ينتج الفقر الفكري والجمالي والفني في تطوير الذات والتذوق الجمالي مما يساعد في تقبل ما يعرف بالتحليل والنقد باعتبار أنهما الجناح الايجابي في تطوير العملية الإبداعية والمسرحية بشكل خاص.

*    الإنتاج.

لابد أن يكون هناك نظام صرف محدد لإيجاد الاستمرارية التي سوف تولد دون شك تطور وتجريب مستمر مما سوف ينعكس ايجابيا على تطوير الكادر الفني على جميع المستويات الإبداعية (التأليف، التمثيل، الفنيات والإخراج(.

*    غياب المواسم المسرحية.

هذه أزمة حقيقة لان هذه المواسم تشترط وجود مكان للعمل على مستوياته المختلفة، صالات للبروفة والتجريب، والمسارح المتخصصة للعروض أو المكان الذي يمكن أن يستوعب العروض ويلامس طموح وأحلام المخرجين.

*    عدم القدرة على الاستمرارية.

هذه النقطة في رأي الدراسة هي نتيجة حتمية للواقع الذي يمر به حال دراما المسرح في جنوب السودان على جميع مستوياته المحترفة وغير المحترفة، لأنه لا يمكن أن تكون هناك استمرارية دون إنتاج ودون دور أو بيوتات عرض، في اقل الإمكانيات التي يمكن أن تطور إمكانيات صانعي العرض المسرحي.

*    التوثيق والدراسة.

هي مجهودات فردية تقوم بها بعض المؤسسات ولكنها لا تشفي ظمأ التجربة المسرحية نفسها لذا فهي فقيرة ومتواضعة جدا، تنتشر هنا وهناك ، لذا يمكنني أن اقسمها إلى نوعين للتوضيح:

أولاً: توثيق ذاتي: وهي من المجموعة المسرحية نفسها فهي توثق إنتاجها وعروضها على مستويات شخصية وتسوق على نفسها في المواقع الاجتماعية ولأنها داعية غير متخصصة تنتهي بالتعليقات البسيطة ويزول تأثيرها بعد أيام.

ثانيا: توثيق غير ذاتي:  وهي محدودة ومرتبطة بالأجهزة الإعلامية كالجرائد والإذاعات المحلية، فهي تجتهد في توثيق العديد من التجارب وتوفير مكتبة مناسبة من الإنتاج الفني، في انتظار التحليل والتفنيد والنقد للتطوير.

التطور:

–   تباشير المجلس القومي للثقافة والفنون

–  توفير الدراسات المتخصصة

–  تنظيم تبادل الخبرات

–  إيجاد ورش متخصص لتطوير الأداء وضمان الجودة

–   خلق شراكات ذكية مع المتخصصين

–  البحث  عن مصادر للاستمرارية

مسرح الهواة ليست لعنه على ممارسيها، لكنه معمل ومصنع لاختبار صلاحية الفنانين الذين سوف يقودون مستقبل العمل المسرحي في جنوب السودان، وأنا افتخر جداً بأنني قبل ما يقارب 25 عاماً عندما كنت في  العاشرة من عمري،، كنت ضمن فرق الهواة أمارس نشاطي المسرحي، والشكر والتقدير إلى هذا المعمل الذي انتجني ومازال ينتج العديد من المسرحيين الواعدين لهذا الوطن الجميل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتب من جنوب السودان

*عميد كلية الفنون والموسيقي والدراما – جامعة جوبا

*ورقة مقدمة في ختام فعاليا مهرجان المسرح المدرسي للمدارس الثانوية بجوبا ، منظمة جنوب السودان للمسرح، أكتوبر 2016، مركز نياكورين الثقافي.

* نُشرت المادة تزامناً مع ملف الموقف الثقافي الذي تصدره جريدة الموقف بجنوب السودان.

زر الذهاب إلى الأعلى