غوايات

سمار ماروني

يرهقني الكمون في الأشياء، وأنا ألهو داخل الزمن كأنني أبداً في أول النهار، مانحةً شروق الشمس شرف تعميدي بسمار ماروني يُداعب طيفكَ السابح خلف البدايات، فيتحرك الجمود من حولي وأغلق باب الانتظار ذاهبة في موعد معك.

لم تكن زوبعة الغبار إلا تبدل الفصول في دمي ، تحملني ذراته الناعمة في الطريق إليك. وأنا أختبئ داخل ذاتي في ديوان شعر بعيدا عن أعين من حولي في الحافلة، آخذةً أنفاسا متقطعة بطول أبيات التفعيلة المنكمشة على حروفها، وهي تسترسل في لولب طولي على الصفحات، وتأخذني في دوامتها نحو حزن الجنوب

يا شمس سماء الجنوب الجميلة

يا طقوس لغة حبيبي الحارة،

السماء تئن من معارك الليل1

ولا يزعجني ذلك ، بل يمنحني قوةً لمواجهة طول الطريق، وتململ الركاب. رائحة الدخان والألم!2، وإشارات المرور الموغلة في احمرارها. الجرح الحاد في حدود سحرك3، وتطفل المارَّة على من بالداخل، ونار الحروب.4

وأنت هناكَ في انتظارك كعصفور جريح تهبني معنى النزيف في كوب شايك البارد.

..

وحين مددتَ يدك استطالت عروقي أغصانا تحمل ما بكفك من ثمر يتوق للقطاف. ورأيتُ ماء الحياة يجري في خطوط كفيك وأنت تلقي عليّ أبياتا من قصيدةٍ أرقت ليلتكَ البارحة. تعيد الحركات على حروفها تشكيلي حتى لمَستُ رائحة الحبر في شعري، وانثنت شاليتي تسبح على بحر الشِّعر. كانت الدروب التي في أصابعك تؤدي إلى الماوراء، وهي تشير مهتديةً بانحناءة سلاميّاتها في ثبات نحو المعنى المختبئ هناك في الكلمات. ويرتد صدى صوتكَ إليَّ شعراً كأني حين أسأل عن حالك، أطمئن عليّ.

تتجمع السحب فوقنا تُنصت في استغراق، وتهتز مشاعر الأرض تحتنا ثم بغتة تأخذك الدهشة: المترو، المترو يمر من هنا! ولا أخفي ابتسامتي من منطقك المفاجئ لهذه اللحظة الستاندالية، ثم ينحني أخيرا جذع الشجرة بجانبي، وأنت تمسح ما بجسد مقعدنا الخشبي من آثار الفأس متكئا بيدك اليمنى عليه، تريحها عناء التحليق.

تُقصينا القصيدة عنّا، كلٌ إلى وحدته فتبدو بعيدا كآخر بيت سقط عن القصيدة سهوا وهو لم يزل في بال شاعره، فقم إليَّ كي نعيد للغيوم بياضها، نهدهد قليلاً حزن المطر.

 

الهوامش

1، 2، 3، 4 من ديوان قرابين نيكانق. نيالاو أيول.

دعاء خليفة

كاتبة من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى